بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إبراهيم الآية (4)
صدق الله العظيم
ما عرفته مما قرأت أن أي عظيم هو بالنتيجة نتاجا لعصره ولا يمكن أن يخرج عن ذلك مطلقا ً، وما يمكن أن يصنعه من أفكار ونظريات لا يمكنها أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، بحكم كونها وليدة الظروف الموضوعية ، غير أنها يمكن أن تكون قد حققت قفزة نوعية، لصالح زمناها ، وربما لعدة قرون تاليه، ولكن ما يصلح حينذاك يكون غير صالح لزمننا هذا ، لأن الإنسان أيا كانت عبقريته فإنه موسوم بطابع النسبية زمانا ومكانا.
هذه المقدمة أردت بها أن أقول أن للغة العربية وحدها شدت عن هذه القاعدة تحديدا وملكت الخصوصية دون لغات الدنيا قاطبة،، ما جعلها النبراس بلا منازع ، وحجة اليسر والتألق ذاته.
في الفترة بين الأعوام 1980 – 1985 قادتني الأقدار لفهم أخطر ما فهمت في حياتي ، فقد وقع في يدي بحكم وظيفتي كمدير عام للثقافة آنذاك كتاب هو ملخص أطروحة دكتوراه في (اللسانيات) ، فقرأتها ولم تكفيني القراءة الأولى ، فاستعنت بالعلامة الأستاذ عبد الجليل السيد حسن رحمة الله عليه في فهم ما فاتني وكان عصي على إدراكي ، وقد كان رحمه الله منكبا وقتذاك على إعداد دراسة تهتم بالعلاقة بين (اللغة والفلسفة وفهم القرآن) ،، ولاحظت اندهاشه لاهتمامي بمسألة معقدة كهذه (اللسانيات) ، ولاحظ من خلال أحاديثه معي أنني مهتم بأمور فلسفة اللغة ، فأطلعني برفق على منطلق ألأطروحة ، وكان موضوعها حول نظرية (عبد القاهر الجرجاني اللغوية وموقعها في اللسانيات العامة) ، وقد عرفت منذ ذلك الوقت أن اللسان العربي أصل قائم بذاته ولا ينتمي إلى أسرة اللغات السامية.
وبمعونته تعرفت على آراء فقهاء اللغة العربية كالفراء وأبي علي الفارسي وابن جني، وآراء الجرجاني. ، وعرفت أيضا أن الألفاظ إنما هي في خدمة المعاني، وأن اللسان العربي لسان ليس فيه ترادف ، وأن الترادف لا تعدو عن كونه خدعة كبيرة ، وأن البناء النحوي في اللغة العربية مرتبط بخبر بلاغي بالضرورة، وأن النحو والبلاغة علمان كلاهما متتم للآخر لا فصال بينهما ، والفصل بينهما كمن يفصل بين علم التشريح وعلم الفيزيولوجيا "الوظائف" في الطب.
وأدركت حينها أي أزمة مريعة مؤسفة تعيشها أسس تدريس مادة اللغة العربية في مدارس ومعاهد وجامعات أهل لغة الضاد .
الكتابة من "كتب"، والكتابة في اللسان العربي تعني جمع الأشياء مع بعضها من أجل إخراج المعنى المفيد والمفهوم أو إخراج موضوع ذي ظاهر متكامل، ومن الناحية الصوتية ، فان عكس كتب هو (بتك) وجاء فعل "بتك" في قوله تعالى (فليبتكن آذان الأنعام) (النساء 119).
ما سر أن يكون التنزيل بلسان عربي (اللغة العربية) ؟؟
-إن الله سبحانه وتعالى مطلق وكامل المعرفة ولا يتصف بطابع النسبية وبالتالي فإن كتابه يحمل الطابع المطلق في المحتوى.
-إن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب هداية للناس وجعله آخر الكتب فوجب أن يحمل طابع النسبية في الفهم الإنساني له زمانا ومكانا.
-ان نمط التفكير الإنساني لا يمكن أن يتم بدون لغة، فوجب أن يصاغ الكتاب بلغة إنسانية أولاً، وثانياً أن تكون هذه الصياغة لها طابع خاص وهو أنها تحتوي المطلق الإلهي في المحتوى والنسبية الإنسانية في فهم هذا المحتوى، وهذا ما يعرف بثبات الصيغة اللغوية "النص" وحركة المحتوى، ، وهذا ما تعجز عنه كل لغات الدنيا ولأن الإنسان أيضا يعجز عن تحقيق هذه الشروط.
-ولأن اللغة العربية تحتوي على هذه الخاصية، لذلك اختارها الله لتعطى آيات التنزيل طابع القدسية أو النص المقدس الذي لا يمس ولا يحرف، وإنما يجري تأويله على مر العصور والدهور، واللغة هي المسئولة عن ذلك ، فالبشر يمضي ويتواتر وتبقى اللغة العربية محركا لهذا التفاعل والتواتر بقاء الدهر والى ان يرث الله الأرض ومن عليها.
ألا تستحق هذه اللغة أن نتعلمها ونتقنها ونكتب به ونبجلها ونمتلك زمامها ونواصيها ، ونبدع فيها وبها ،، هذا ما يدفعني متحمسا لدعوة أبنائنا لكتابتها صحيحة ، وألح في دعوتهم لاحترام ما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من أسرار أزلية ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر) الآية (9)) أليس هذا الذكر لسان عربي مبين ؟؟ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) النحل الآية (103) صدق الله العظيم
وليس عندي ما أزيده إلا قول المولى تعالى شأنه وتجلت قدرته
بسم الله الرحمن الرحيم
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود الآية 88
صدق الله العظيم
الصادق دهان